هل يأتي انهيار الإتحاد الأوروبي من كونه أوروبيًا
في ذروة أحداث الحرب بين روسيا وأوكرانيا عاود الاتحاد الأوروبي الظهور كلاعب رئيس في
الأحداث مسترجعاً ذكريات ألخروب العالمية التي مزقت القارة وتراجع الاقتصاد وقتها سنوات
للخلف، فما كان من خبراء القارة إلا أن يؤسسوا اتحاد كونفدرالي يستهدف زيادة اطر التعاون
بين الأعضاء المؤسسين وفتح باب استقبال أعضاء جدد، ذلك التحالف على الرغْم نبوغ آثاره في
المجال الاقتصادي لكن موقع القارة الوسط بين قوتين متنافستين حال دون إحراز تقدم في الشأن
العسكري، كان الحل وقتها الاعتماد على تحالف عسكري يسمى الناتو يعوض غياب التعاون
العسكري داخل الاتحاد الأوروبي، بعد عقود كان ذلك الحلف الظهير العسكري صداعاً في
الرأس الأوروبية وتمثل انضمام الأعضاء السوفيتيين السابقين بمنزلة إعلان حرب على روسيا
وريث المعسكر السوفيتي الشرقي.
بعد انهيار المعسكر الشيوعي وانقسامه إلى دول جديدة تسابقت تلك الدول للانضمام إلي حلف
الناتو الذي رحب بالتأكيد بحلفاء جدد من المعسكر الشرقي الأوروبي والاستفادة من موقعهم
الجغرافي وخبرتهم السابقة في إدارة المناوشات بين حلف الناتو وحلفهم السابق قبل التفكك حلف
وارسو، الاستفادة الاقتصادية لم تمر على الاتحاد الأوروبي الذي استقبل وفد جديد من الأعضاء
في عام ٢٠٠٤ وفتح روابط اقتصادية معهم ومحاولة تعويض نقص العمالة بزيادة العرض من
المهنيين لمواكبة الطلب الملحوظ في دول الاتحاد الغربيين بالإضافة إلى فتح أسواق جديدة
لتصريف البضاعة والاستفادة من قوانين رفع التعريفات عن تلك البضائع واستعادة جزء من
مبادئ الاتجارية التي انتشرت في قرون سابقة عنيت بفتح أسواق جديدة بواسطة احتلال الدول
لكن ذلك المرة دون تدخل عسكري لكن باتفاقيات ورقية، على جانب جديد استفادت الدول
الجديدة من فتح أسواق لها تجاري به التطور التجاري للدول المؤسسة للاتحاد وتحرير التحرك
بين مواطني تلك الدول لإيجاد فرص عمل جديدة.
مع التغيير الواضح في الحياة السياسية وعودة الدب الروسي إلى المعترك الدُّوَليّ بالإضافة إلى
كيان اقتصادي قوي تصول تحركاته قارات العالم وهو الصين، يظهر أن الاتحاد الأوروبي
يحتاج إلى تحالفات جديدة بخصائص مختلفة عن أعضاءه، خاصة مع مشكلات الغاز في القارة
بعد مناورة روسيا بهذا السلاح كان من السهل تجاوز تلك العقبة إذا تجاوز الاتحاد الأوربي وبدّل
من شرط إلزامية أن يكون المنضمين له من القارة وضم أعضاء جدد من قارات مختلفة يكون
منهم من يمتلك الغاز بوفرة، ومثل دخول الصين في مناطق نفوذ الاتحاد خاصة في اليونان
إشارة إلى إمكانية البحث عن أسواق جديدة يستفاد منها الاتحاد سواء في شرق آسيا التي تشتهر
بجودة العمالة أو إفريقيا وازدهار مواردها وكليهما به عدد سكان وافر، تلك الموارد سواء
البشرية أو المادية يمكن أن تحل ايضاً مشكلة البطالة التي تنشط في أوروبا خاصة وَسَط الشباب
بسبب زيادة مستوى التعليم الجامعي وقلة فرص العمل لخريجيه في المقابل في وقت يزيد الطلب
على عمالة هندسية، فيمكن أن يحدث بذلك استبدال العمالة في أسواق ناشئة تحتاج الخبرات
الأوروبية مقابل الخبرات الأسيوية في مجال الهند والبرمجة التي نجد بها دول مثل سنغافورة،
الهند وكوريا الجنوبية في مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال.
قضية الشيخوخة وارتفاع نسبتها في الدول الأوروبية يعد عائق وصداع في رأس إدارة الاتحاد،
حسب التقارير الرسمية يعد عدد من تجاوزوا الخمسة والستون من عمرهم رقم كبير في دول
مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، تلك المعضلة لا ترتبط فقط بتوفر الأيدي العاملة لكن وفق التقاليد
الأوروبية التي توفر لتلك الفئة رسوم معاشات باختلاف الظروف الاقتصادية الراهنة، ما تم
الحُوَار بشأنه في اجتماع غير رسمي شمل وزراء الشؤون الاجتماعية وسوق العمل في الاتحاد
الأوروبي في ستوكهولم، نسب الشباب في إفريقيا على النقيض تواجه ارتفاع ملحوظ مع كساد
في سوق العمل، ما يشجع بعض الأفارقة على التحرك رسميًا أو بطرق غير قانونية إلى أوروبا
والاستفادة من مرتبات مناسبة، تلك الزيادات في الهجرة تمثل مشكلة لدي دول تبحث عن الكيف
وليس الكم لذلك سيكون من المناسب للاتحاد الأوروبي إبرام اتفاقيات مع دول غير أوروبية
تسهل بموجبها تدفق العمالة الماهرة إلى القارة مقابل تحمل الدول المعنية بإقامة تشريعات قوية
تمنع دخول المتسللين إلى أوروبا، يمكن أيضًا أن تشمل الاتفاقات توريد أصحاب الخبرات من
كبار السن الاوروبيين إلى دول غير أوروبية مقابل تحمل حكوماتها المرتبات الخاصة بهم ورفع
بنود المعاشات عن كاهل الحكومات الأوروبية.
التاريخ الاستعماري لعدد من الدول الأوروبية أثر بشكل نفسي في المضي قدمًا وتوسيع العلاقات
بالدول التي خضعت لاحتلال، ومع وجود بديل لم تدخل جيوشه تلك الدول فضّلت أن تقيم
علاقات اقتصادية مع الولايات المتحدة أو الصين، التي استأثرت بمشروعات البنية التحتية في
عديد الدول وكانت إفريقيا هي مكان تواجد أول قاعدة عسكرية خارجية للصين، ظهرت أهمية
تلك العلاقات بشكل واضح في أزمة العقوبات المفروضة على روسيا إبّان حربها مع أوكرانيا،
وقتما استخدمت علاقاتها مع دولة جوار مثل أرمينيا التي وفرت للروس توريد البضائع
والالتفاف حول العقوبات مثلما يتردد في التقارير.
تكوين الاتحاد الأوروبي واحتوائه على دول مختلفة أتاح فرصة ذهبية لأعضائه من طريق تغيير
الصورة السلبية عن أفراده وتحويلهم إلى دولة كبرى مختلفة الأهداف، كان التكامل الإقليمي
جوهر العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا على مدى عقود فكان تحسين الإقليمية
كاستراتيجية تنمية رئيسية أحد الأهداف الرئيسية المنصوص عليها في اتفاقيات كوتونو لعام
2000، وكذلك في الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا لعام 2007، مع
تخصيص جزء كبير من الصندوق الاستئماني للاتحاد الأوروبي للطوارئ لأفريقيا لعام 2015
لمراقبة الحدود والأمن، فإن الهدف من معالجة الأسباب الجذرية للهجرة يتم تخفيضه بشكل أكبر
إلى أسفل جدول أعمال الاتحاد الأوروبي للأولويات الإستراتيجية، مع تحديث العلاقات مع الدول
الغير الأوروبية والاستثمار بها تكون فرصة هائلة لأوروبا بإيجاد حلفاء جدد في المجال السياسي
والاقتصادي، فرصة لم يستغلها البعض وآثر البعض استمرار النهج الاستيطاني وتحريك
الانقلابات داخل الدول النامية مما زاد من المشاعر الكارهة للتواجد الأوروبي.
هل تكون الحرب في أوكرانيا فرصة لتغيير خريطة الاتحاد الأوروبي والتعاون مع دول جديدة
في المجال الاقتصادي؟
Comments
Post a Comment